king moon
سجل معانا تجد كل ما هو جديد ومفيد لك وستسعد معانا وتقضى احلى الاوقات
عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) Uuu10
king moon
سجل معانا تجد كل ما هو جديد ومفيد لك وستسعد معانا وتقضى احلى الاوقات
عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) Uuu10
king moon
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

king moon



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة)

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
انتيرس

انتيرس


المزاج : عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 1298556235889
الدوله : عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 1298578461382
الاوسمه : عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 1298579857445
ذكر عدد المساهمات : 17
تاريخ التسجيل : 16/02/2011

عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) Empty
مُساهمةموضوع: عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة)   عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) I_icon12الخميس فبراير 17, 2011 7:39 am

قمة العدل في عهده رضي الله عنه
وغزت بعض جيوشه بلاد فارس حتى انتهت إلى نهر ليس عليه جسر فأمر أمير الجيش أحد جنوده أن ينزل في يوم شديد البرد لينظر للجيش مخاضة يعبر منها، فقال الرجل: إني أخاف إن دخلت الماء أن أموت.

دخل الرجل الماء وهو يصرخ: يا عمراه يا عمراه، ولم يلبث أن هلك فبلغ ذلك عمر وهو في سوق المدينة، فقال: يا لَبَيَّكَاه يا لَبَّيْكَاه، وبعث إلى أمير ذلك الجيش فنزعه، وقال: لولا أن تكون سنة لقدت منك، لا تعمل لي عملًا أبدًا.

يقول فضيل بن زيد الرقاشي رحمه الله وقد كان غزا على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سبع غزوات: بعث عمر جيشًا، فكنت في ذلك قلنا: نرجع فنقيل، ثم نخرج فنفتحها.

فلما رجعنا تخلف عبد من عبيد المسلمين، فراطنهم فراطنوه، فكتب لهم كتابًا في صحيفة، ثم شده في سهم فرمى به إليهم، فخرجوا فلما رجعنا من العشي وجدناهم قد خرجوا، قلنا لهم: ما لكم؟

قالوا: أمنتمونا. قلنا: ما فعلنا، إنما الذي أمنكم عبد لا يقدر على شيء، فارجعوا حتى نكتب إلى عمر بن الخطاب. فقالوا: ما نعرف عبدكم من حُرِّكم، وما نحن براجعين، إن شئتم فاقتلونا، وإن شئتم ففوا لنا.

قال: فكتبنا إلى عمر أن عبد المسلمين من المسلمين، ذمته ذمتهم؟

قال: فأجاز عمر أمانه.

إن إقامة العدل بين الناس- أفرادا وجماعات ودولًا- ليست من الأ مور التطوعية التى تترك لمزاج الحاكم أو الأمير وهواه، بل إن إقامة العدل بين الناس في الدين الإسلامى تعد من أقدس الواجبات وأهمها، وقد اجتمعت الأمة على وجوب العدل، قال الفخر الرازي: أجمعوا على أن من كان حاكما وجب عليه أن يحكم بالعدل.

وهذا الحكم تؤيده النصوص القرآنية والسنة النبوية، فإن من أهداف دولة الإسلام إقامة المجتمع الإسلامي الذي تسود فيه قيم العدل والمساواة، ورفع الظلم ومحاربته بجميع أشكاله وأنواعه، وعليها أن تفسح المجال وتيسر السبل أمام كل إنسان يطلب حقه أن يصل إليه بأيسر السبل وأسرعها دون أن يكلفه ذلك جهدا أو مالا، وعليها أن تمنع أي وسيلة من الوساثل التى من شأنها أن تعيق صاحب الحق من الوصول إليه، وهذا ما فعله الفاروق في دولته، فقد فتح الأبواب على مصاريعها لوصول الرعية إلى حقوقها، وتفقد بنفسه أحوالها، فمنعها من الظلم ومنعه عنها، وأقام العدل بين الولاة والرعية، في أبهى صورة عرفها التاريخ فقد كان يعدل بين المتخاصمين ويحكم بالحق ولا يهمه أن يكون المحكوم عليهم من الأقرباء أو الأعداء أو الأغنياء أو الفقراء، قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ] {المائدة: 8}.

لقد كان الفاروق قدوة في عدله، فأسر القلوب وبهر العقول، فالعدل في نظره دعوة عملية للإسلام به تفتح قلوب الناس للإيمان، وقد سار على ذات نهج الرسول صلى الله عليه وسلم، فكانت سياسته تقوم على العدل الشامل بين الناس، وقد نجح في ذلك على صعيد الواقع والتطبيق نجاحا منقطع النظير لا تكاد تصدقه العقول حتى اقترن اسمه بالعدل، وبات من الصعب جدا على كل من عرف شيئا يسيرا من سيرته أن يفصل ما بين الاثنين، وقد ساعده على تحقيق ذلك النجاح الكبير عدة أسباب ومجموعة من العوامل منها:

1- أن مدة خلافته كانت أطول من مدة خلافة أبي بكر بحيث تجاوزت عشر سنوات في حين اقتصرت خلافة أبي بكر على سنتين وعدة شهور فقط.

2- أنه كان شديد التمسك بالحق حتى إنه كان على نفسه وأهله أشد منه على الناس كما رأينا.

3- أن فقه القدوم على الله كان قويا عنده لدرجة أنه كان في كل عمل يقوم به يتوخى مرضاة الله قبل مرضاة الناس، ويخشى الله ولا يخشى أحدا من الناس.

4- أن سلطان الشرع كان قويا في نفوس الصحابة والتابعين بحيث كانت أعمال عمر تلقى تأييدا وتجاوبا وتعاونا من الجميع.

العدل مع الجميع
في موطأ الإمام مالك بسنده عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اخْتَصَمَ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ وَيَهُودِيٌّ، فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ الْحَقَّ لِلْيَهُودِيِّ، فَقَضَى لَهُ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَضَيْتَ بِالْحَقِّ. فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّرَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: إِنَّا نَجِدُ أَنَّهُ لَيْسَ قَاضٍ يَقْضِي بِالْحَقِّ إِلَّا كَانَ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ يُسَدِّدَانِهِ، وَيُوَفِّقَانِهِ لِلْحَقِّ مَا دَامَ مَعَ الْحَقِّ، فَإِذَا تَرَكَ الْحَقَّ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ. (كتاب الأقضية- باب الترغيب في القضاء بالحق- حديث رقم 1206)

وكان رضي الله عنه يأمر عماله أن يوافوه بالمواسم، فإذا اجتمعوا قال:

أيها الناس إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم، ولا من أموالكم، إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم، وليقسموا فيئكم بينكم، فمن فُعل به غير ذلك فليقم، فما قام أحد إلا رجل واحد قام فقال: يا أمير المؤمنين إن عاملك ضربنى مائة سوط. قال: فيم ضربته؟ قم فاقتص منه. فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين إنك إن فعلت هذا يكثر عليك ويكون سنة يأخذ بها من بعدك. فقال: أنا لا أقيد، وقد رأيت رسول الله يقيد من نفسه قال: فدعنا فلنرضه، قال: دونكم فأرضوه. فاقتدى منه بمائتى دينار كل سوط بدينارين ولو لم يرضوه لأقاده رضي الله عنه.

وعن أنس أن رجلا من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم قال: عذت معاذا. قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه، فقدم فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين. قال أنس: فضرب، فوالله لقد ضربه، ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: ضع السوط على صلعة عمرو. فقال: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد استقدت منه. فقال عمر لعمرو: مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ قال: يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني (كنز العمال جزء 12- صفحة 873).

لقد قامت دولة الخلفاء الراشدين على مبدأ العدل وما أجمل ما قاله ابن تيمية: إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة... بالعدل تستصلح الرجال وتستغزر الأموال.

وأما مبدأ المساواة الذي اعتمده الفاروق في دولته، فيعد أحد المبادئ العامة التي أقرها الإسلام قال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ] {الحجرات: 13}.

إن الناس جميعا في نظر الإسلام سواسية، الحاكم والمحكوم، الرجال والنساء، العرب والعجم، الأبيض والأسود، لقد ألغى الإسلام الفوارق بين الناس بسبب الجنس أواللون أو النسب أو الطبقة، والحكام والمحكومون كلهم في نظر الشرع سواء، وجاءت ممارسة الفاروق لهذا المبدأ خير شاهد،

المساواة في عهده رضي الله عنه
هذه بعض المواقف التي جسدت مبدأ المساواة في دولته

لم يقتصر مبدأ المساواة في التطبيق عند خلفاء الصدر الأول على المعاملة الواحدة للناس كافة، وإنما تعداه إلى شئون المجتمع الخاصة، ومنها ما يتعلق بالخادم والمخدوم، فعن ابن عباس أنه قال: قدم عمر بن الخطاب حاجًّا، فصنع له صفوان بن أمية طعاما، فجاءوا بجفنة يحملها أربعة، فوضعت بين يدى القوم يأكلون وقام الخدام فقال عمر: أترغبونه عنهم؟ فقال سفيان بن عبد الله: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكنا نستأثر عليهم، فغضب عمر غضبا شديدا، ثم قال: ما لقوم يستأثرون على خدامهم، فعل الله بهم وفعل. ثم قال للخادم: اجلسوا فكلوا، فقعد الخدام يأكلون، ولم يأكل أمير المؤمنين.

ومن صور تطبيق المساواة بين الناس ما قام به عمر عندما جاءه مال فجعل يقسمه بين الناس، فازدحموا عليه، فأقبل سعد بن أبى وقاص يزاحم الناس، حتى خلص إليه، فعلاه بالدّرّة وقال: إنك أقبلت لا تهاب سلطان الله في الأرض، فأحببت أن أعلمك أن سلطان الله لن يهابك. فإذا عرفنا أن سعدا كان أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأنه فاتح العراق، ومدائن كسرى، وأحد الستة الذين عينهم للشورى؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو راض عنهم، وأنه كان يقال له فارس الإسلام، عرفنا مبلغ التزام عمر بتطبيق المساواة.

وكما رأينا أن عمرو بن العاص، أقام حد الخمر على عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب، يوم كان عامله على مصر. ومن المألوف أن يقام الحد في الساحة العامة للمدينة، لتتحقق من ذلك العبرة للجمهور، غير أن عمرو بن العاص أقام الحد على ابن الخليفة في البيت، فلما بلغ الخبر عمر كتب إلى عمرو بن العاص: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاص بن العاص: عجبت لك يا ابن العاص ولجرأتك عليّ، وخلاف عهدي. أما إني قد خالفت فيك أصحاب بدر عمن هو خير منك، واخترتك لجدالك عني وإنفاذ مهدي، فأراك تلوثت بما قد تلوثت، فما أراني إلا عازلك فمسيء عزلك، تضرب عبد الرحمن في بيتك، وقد عرفت أن هذا يخالفني؟ إنما عبد الرحمن رجل من رعيتك، تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين. ولكن قلت: هو ولد أمير المؤمنين وقد عرفت أن لا هوادة لأحد من الناس عندي في حق يجب لله عليه، فإذا جاءك كتابي هذا، فابعث به فى عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع. وقد تم إحضاره إلى المدينة وضربه الحد جهرا (روى ذلك ابن سعد، وأشار إليه ابن الزبير، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن عمر مطولًا).

فهكذا نرى المساواة أمام الشريعة في أسمى درجاتها، فالمتهم هو ابن أمير المؤمنين، ولم يعفه الوالي من العقاب، ولكن الفاروق وجد أن ابنه تمتع ببعض الرعاية، فآلمه ذلك أشد الألم، وعاقب واليه- وهو فاتح مصر- أشد العقاب وأقساه. وأنزل بالابن ما يستحق من العقاب، حرصا على حدود الله، ورغبة في تأديب ابنه وتقويمه.
بين عمر رضي الله عنه وجبلة بن الأيهم
من الأمثلة التاريخية الهامة التى يستدل بها المؤلفون على عدم الهوادة في تطبيق المساواة، ما فعله عمر مع جبلة بن الأيهم وهذه هي القصة:

كان جبلة آخر أمراء بني غسان من قبل هرقل وكان الغساسنة يعيشون في الشام تحت إمرة دولة الروم، وكان الروم يحرضونهم دائما على غزو الجزيرة العربية، وخاصة بعد نزول الإسلام. ولما انتشرت الفتوحات الإسلامية، وتوالت انتصارات المسلمين على الروم، أخذت القبائل العربية في الشام تعلن إسلامها فبدا للأمير الغساني أن يدخل الإسلام هو أيضا، فأسلم وأسلم ذووه معه. وكتب إلى الفاروق يستأذنه في القدوم إلى المدينة، ففرح عمر بإسلامه وقدومه، فجاء إلى المدينة وأقام بها زمنا والفاروق يرعاه ويرحب به، ثم بدا له أن يخرج إلى الحج، وفي أثناء طوافه بالبيت الحرام وطئ إزاره رجل من بني فزارة فحله، وغضب الأمير الغساني لذلك- وهو حديث عهد بالإسلام- فلطمه لطمة قاسية هشمت أنفه، فأسرع الفزاري إلى أمير المؤمنين يشكو إليه ما حل به، فأرسل الفاروق إلى جبلة يدعوه إليه، ثم سأله فأقر بما حدث، فقال له عمر: ماذا دعاك يا جبلة لأن تظلم أخاك هذا فتهشم أنفه؟ فأجاب بأنه قد ترفق كثيرا بهذا البدوي وأنه لولا حرمة البيت الحرام لقتله، فقال له عمر: لقد أقررت، فإما أن ترضي الرجل، وإما أن أقتص له منك.

وزادت دهشة جبلة بن الأيهم لكل هذا الذي يجري وقال: وكيف ذلك وهو سوقة وأنا ملك.

فقال عمر: إن الإسلام قد سوى بينكما.

فقال الأمير الغساني: لقد ظننت يا أمير المؤمنين أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية. فقال الفاروق: دع عنك هذا فإنك إن لم تُرضِ الرجل اقتصصت له منك.

فقال جبلة: إذا أتَنَصّر.

فقال عمر: إذا تنصرت ضربت عنقك، لأنك أسلمت فإن ارتددت قتلتك.

وهنا أدرك جبلة أن الجدال لا فائدة منه، وأن المراوغة مع الفاروق لن تجدي، فطلب من الفاروق أن يمهله ليفكر في الأمر، فأذن له عمر بالانصراف، وفكر جبلة بن الأيهم ووصل إلى قرار، وكان غير موفق في قراره، فقد آثر أن يغادر مكة هو وقومه في جنح الظلام، وفر إلى القسطنطينية، فوصل إليها متنصرا، وندم بعد ذلك على هذا القرار أشد الندم

فلما بعث عمر رسولًا إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام أجابه إلى المصالحة على غير الإسلام فلما أراد العود قال له هرقل: أَلَقِيتَ ابن عمك هذا الذي ببلدنا؟ يعني جبلة. قال: ما لقيته. قال: ألقه، ثم ائتني أعطك جوابك.

فذهب رسول عمر إلى باب جبلة، فإذا عليه من القهارمة والحجاب والبهجة وكثرة الجمع مثل ما على باب هرقل. قال الرسول: فدخلت عليه فرأيت رجلًا أصهب اللحية ذا سبال، وكان عهدي به أسود اللحية والرأس، فنظرت إليه فأنكرته فإذا هو قد دعا بسحالة الذهب فذرها في لحيته حتى عُدَّ أصهب، وهو قاعد على سرير قوائمه أربعة أسودٍ من ذهب، فلما عرفني رفعني معه على السرير، وجعل يسألني عن المسلمين فذكرت له خيرًا، وقلت له: قد تضاعفوا أضعافًا على ما تعرف. فقال: وكيف تركت عمر بن الخطاب؟ قلت له: بخير. فأغمه ذلك. وانحدرتُ عن السرير فقال: لِمَ تأبى الكرامة التي أكرمناك بها؟ قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا قال: نعم، صلى الله عليه وسلم، ولكن نق قلبك من الدنس ولا تبال على ما قعدت. فلما صلى على النبي صلى الله عليه وسلم طمعت به فقلت: ويحك يا جبلة ألا تسلم وقد عرفت الإسلام وفضله؟ فقال: أَبَعْدَ ما كان مني؟ قلت: نعم، فعل ذلك رجل من بني فزارة أكثر مما فعلت ارتد عن الإسلام وضرب وجوه الإسلام بالسيف، ثم رجع إلى الإسلام، فقُبل ذلك منه، وخلفته بالمدينة مسلمًا. قال: ذرني من هذا إن كنت تضمن لي أن يزوجني عمر ابنته، ويوليني الأمر بعده رجعت إلى الإسلام. فضمنت له التزويج، ولم أضمن الأمر، فأومأ إلى خادم بين يديه فذهب مسرعًا فإذا خدم قد جاءوا يحملون الصناديق فيها الطعام فوضعت ونصبت موائد الذهب وصحاف الفضة، وقال لي: كل. فقبضت يدي وقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل في آنية الذهب والفضة. قال: نعم، صلى الله عليه وسلم، ولكن نَقِ قلبك وكل فيما أحببت. فأكل في الذهب والفضة، وأكلت في الخلبخ، فلما رفع بالطعام جيء بطساس الفضة وأباريق الذهب. فقال: اغسل يدك. فأبيت، وغسل في الذهب والفضة، وغسلت في الصفر، ثم أومأ إلى خادم بين يديه، فمر مُسرعًا فسمعت حِسّا، فالتفت فإذا خدم معهم كراسٍ مرصعة بالجوهر، فوضعت عشرة عن يمينه وعشرة عن يساره، ثم سمعت حِسًّا، فالتفت فإذا عشر جوارٍ قد أقبلن مضمومات الشعور متكسرات في الحلي عليهن ثياب الديباج، ولم أر قط وجوهًا أحسن منهن، فأقعدهن على الكراسي، ثم سمعت حِسًّا فالتفت فإذا جارية كأنها الشمس حسنًا على رأسها تاج على ذلك التاج طائر لم أر أحسن منه وفي يدها اليمنى جام فيه مسك وعنبر فتيت، وفي يدها اليسرى جام فيه ماء وردٍ، فأومأت إلى الطائر- أو قال: صفرت بالطائر- فوقع في جام الماورد، فاضطرب فيه، ثم أومأت إليه، فوقع في جام المسك والعنبر، فتمرغ فيه، ثم أومأت إليه- أو قال: صفرت به- فطار حتى نزل على صليب في تاج جبلة، فلم يزل يرفرف حتى نفض ما في ريشه عليه، فضحك جبلة من شدة السرور حتى بدت أنيابه، ثم التفت إلى الجواري اللواتي عن يمينه، فقال لهن: بالله أضحكننا. فاندفعن يغنين بخفق عيدانهن ويقلن:- من الكامل-

لله در عصابة نادمتهم... يومًا بجلق في الزمان الأول

يسقون من ورد البريص عليهم... بردى يصفق بالرحيق السلسل

أولاد جفنة حول قبر أبيهم... قبر ابن مارية الجواد المفضل

يغشون حتى ما تهر كلابهم... لا يسألون عن السواد المقبل

بيض الوجوه كريمةٌ أحسابهم... شم الأنوف من الطراز الأول

قال: فضحك حتى بدت نواجذه ثم قال: أتدري من قائل هذا؟ قلت: لا. قال: قائله حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم التفت إلى الجواري اللواتي عن يساره، فقال لهن: أبكيننا. فاندفعن يغنين بخفق عيدانهن ويقلن:- من الخفيف-

لمن الدار أقفرت بمعان... بين أعلى اليرموك فالجمان

ذاك مغنى لآل جفنة في الدهر محلًا لحادثات الزمان

قد أراني هناك دهرًا مكينًا... عند ذي التاج مقعدي ومكاني

ودنا الفصح والولائد ينظم... ن سراعًا أكلة المرجان

قال: فبكى حتى جعلت الدموع تسيل على لحيته، ثم قال: أتدري من قائل هذه الأبيات؟ قلت: لا. قال: حسان بن ثابت.

ثم أنشأ يقول:- من الطويل-

تنصرت الأشراف من أجل لطمةٍ... وما كان فيها لو صبرت لها ضرر

تكنفني منها لجاجٌ ونخوةٌ... وبعت لها العين الصحيحة بالعور

فيا ليت أمي لم تلدني وليتني... رجعت إلى القول الذي قاله عمر

ويا ليتني أرعى المخاض بقفرةٍ... وكنت أسيرًا في ربيعة أو مضر (الوافي في الوفيات جزء 1- صفحة 1503)

ويعود الرسول إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم يرجع إلى جبلة فيجد الناس قد فرغوا من جنازته فيعلم أنه قد كتب عليه الشقاء.

وفي هذه القصة نرى حرص الفاروق على مبدأ المساواة أمام الشرع، فالإسلام قد سوى بين الملك والسوقة، ولا بد لهذه المساواة أن تكون واقعا حيا وليس مجرد كلمات توضع على الورق أو شعار تردده الألسنة.

لقد طبق عمر رضي الله عنه مبدأ المساواة الذي جاءت به شريعة رب العالمين وجعله واقعا حيا يعيش ويتحرك بين الناس، فلم يتراجع أمام عاطفة الأبوة، ولم ينثن أم ألقاب النبالة، لقد كان ذلك المبدأ العظيم واقعا حيا شعر به كل حاكم ومحكوم، ووجده كل مقهور وكل مظلوم. لقد كان لتطبيق مبدأ المساواة أثره في المجتمع الراشدي فقد أثر الشعور بها على نفوس ذلك الجيل فنبذوا العصبية التقليدية، من الادعاء بالأولوية والزعامة، والأحقية بالكرامة، وأزالت الفوارق الحَسَبية الجاهلية، ولم يطمع شريف في وضيع، ولم ييأس ضعيف من أخذ حقه، فالكل سواء في الحقوق والواجبات، لقد كان مبدأ المساواة في المجتمع الراشدى نورا جديدا أضاء به الإسلام جنبات المجتمع الإسلامي، وكان لهذا المبدأ الأثر القوي في إنشائه.

ومن عدله رضي الله عنه عدم تقييده حرية أبي لؤلؤة مع شكه في أمره.

ومن عدله رضي الله عنه عدم قتله للهرمزان مع كونه قاتل البراء ومجزأة لأنه أمنه.

وحياة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تمتلئُ بمثل هذه المواقف التي تدل دلالة واضحة على عدله.



في ظلال رحمة عمر
الرعية هم عِبَاد الله، وحق على كل من تولى أمرهم أن يحسن إليهم ويرعى أمورهم ويقضي حوائجهم، وقد قام الفاروق بذلك قيامًا حسنًا، واجتهد في الوصول إلى تلك البغية اجتهادًا شديدًا.

يروي ابن عباس رضي الله عنهما يقول:

كان عمر بن الخطاب كلما صلى صلاة جلس للناس، فمن كانت له حاجة نظر فيها، فصلى صلوات لا يجلس فيها، فأتيت الباب فقلت: يا يرفأ، فخرج علينا يرفأ، فقلت: أبأمير المؤمنين شكوى؟

قال: لا. فبينا أنا كذلك إذ جاء عثمان فدخل يرفأ، ثم خرج علينا فقال:

قم يا ابن عفان، قم يا ابن عباس. فدخلنا على عمر وبين يديه صبر من مال، على كل صبرة منها كتف.

فقال: إني نظرت فلم أجد بالمدينة أكثر عشيرة منكما kخذا هذا المال فاقتسماه بين الناس، فإن فضل فضل فردا.

فأما عثمان فحثا، وأما أنا فجثيت لركبتى فقلت: وإن كان نقصانًا رددت علينا؟

فقال: شنشنة من أخشن- قال سفيان يعني حجرا من جبل- أما كان هذا عند الله إذ محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون القد؟ !

قلت: بلى، ولو فتح عليه لصنع غير الذي تصنع. قال: وما كان يصنع؟ قلت: إذًا لأكل وأطعمنا.

قال: فرأيته نشج حتى اختلفت أضلاعه، وقال: لوددت إني خرجت منه كفافا، لا علي ولا لي.

وكان الفاروق رضي الله عنه يمر في الطرقات، ويدخل إلى الأسواق ليتعرف على أحوال الرعية، ويختبر آحوالهم و يقضي حوائجهم.

وفي البخاري بسنده عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى السُّوقِ، فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا، وَاللَّهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا وَلَا لَهُمْ زَرْعٌ وَلَا ضَرْعٌ، وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمْ الضَّبُعُ، وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيْمَاءَ الْغِفَارِيِّ، وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ وَلَمْ يَمْضِ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ مَلَأَهُمَا طَعَامًا، وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا، ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتَادِيهِ فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمُ اللَّهُ بِخَيْرٍ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَكْثَرْتَ لَهَا. قَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا فَافْتَتَحَاهُ ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ. (البخاري – 3843)

فما أروع الفاروق الذي يقدر لغيره فضله وسابقته، ويكرم بذلك أهله وقومه.

مواقف من رحمته بالرعية وشفقته بهم
يقول أسلم مولى الفاروق رحمه الله:

خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى حرة واقم حتى إذا كان بصرار إذا نار، فقال: يا أسلم، إني لأرى ههنا ركبًا قصر بهم الليل والبرد، انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا امرأة معها صبيان، و قدر منصوبة على نار، وصبيانها يتضاغون.

فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء، وكره أن يقول: يا أصحاب النار.

فقالت: وعليك السلام، فقال: أَدْنُو؟ فقالت: ادْنُ بخير أو دَعْ.

قال: فدنا، وقال: ما لكم؟

قالت: قصر بنا الليل والبرد.

قال: وما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: الجوع.

قال: فأي شىء في هذه القدر؟ قالت: ماء، أسكتهم به حتى يناموا، والله بيننا وبين عمر.

قال: رحمك الله. وما يدري عمر بكم؟ قالت: يتولى أمرنا ثم يغفل عنا؟ !

قال: فأقبل عليّ، فقال: انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق، فأخرج عدلا من دقيق، وكبة شحم، فقال: احمله عليّ.

فقلت: أنا أحمله عنك. فقال: أنت تحمل وزري يوم القيامة، لا أم لك. فحملته عليه، فانطلق وانطلقت معه إليها نهرول، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئًا، فجعل يقول لها: ذري علي وأنا أُحَرِّك لك، وجعل ينفخ تحت القدر، ثم أنزلها فقال: ابغني شيئًا، فأتته بصحفة فأفرغها فيها ثم جعل يقول لها: أطعميهم وأنا أَسْطَح لهم (أَي أَبْسُطه حتى يَبْرُدَ) فلم يزل حتى شبعوا وترك عندها فضل ذلك، وقام وقمت معه، فجعلت تقول:

جزاك الله خيرا، كنت أولى بهذا الأمر من أمير المؤمنين.

فيقول: قولي خيرًا، إذا جئت أمير المؤمنين، وجدتني هناك- إن شاء الله- ثم تنحى عنها ناحية، ثم استقبلها فربض مربضًا.

فقلت: إن لك شأنًا غير هذا. فلا يكلمني حتى رأيت الصبية يصطرعون، ثم ناموا وهدءوا.

فقال: يا أسلم، إن الجوع أسهرهم وأبكاهم، فأحببت ألا أنصرف حتى أرى ما رأيت.

وفي رواية أخرى:

يا أسلم، أتدرى لم ربضت حذاءهم؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين،

قال: رأيتهم يبكون، فكرهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون، فلما ضحكوا طابت نفسي.

إنه سمو في الإحساس بالأمانة، وارتقاء في الشعور بالمسئولية، وقد صاغ شاعر النيل حافظ إبراهيم قصة المرأة وأبنائها في أبيات رقيقة، فقال:

وَمَنْ رَآه أَمَامَ الْقِدْرِ مُنْبَطِحًا وَالنَّارُ تَأْخُذْ مِنْهَ وَهْوَ يُذْكِيهَا

وَقَدْ تَخَلَّلَ فِي أَثْنَاءِ لِحْيَتِهِ مِنْهَا الدُّخَانُ وَفُوهُ غَابَ فِي فِيهَا

رَأَى هُنَاكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى حَالِ تَرُوعُ لَعَمْرُ اللَّهِ رَائِيهَا

يَسْتَقْبِلُ النَّارَ خَوْفَ النَّارِ فِيِ غَدِهِ وَالْعَيْنُ مِنْ خَشْيَةٍ سَالَتْ مَآقِيهَا

أين حكام الشرق والغرب، بل الدنيا بأسرها ليشاهدوا حال الخليفة المسلم في العهد الأول؟

إنها عظة، ويالها من عظة ! !

هكذا كان خلفاء المسلمين يعملون على مصالح الرعية، ويعرفون أنهم مسئولون يوم القيامة عن الكبير والصغير. والغني والفقير، والرجال والنساء على حد سواء.

لقد ارتقى شعور الفاروق في الاهتمام برعيته إلى الدواب، حتى كان يقول: لو مات جمل في عملي ضياعا على شط الفرات، لخشيت أن يسالني الله عنه.

رحمة عمر بالمشركين
شملت رحمة الفاروق المشركين، فها هو الفاروق رضي الله عنه في نصائحه لجنوده أثناء قتالهم لنشر دين الله يقول لهم:

لا تقتلوا امرأة ولا صبيًا، وأن تقتلوا من جرت عليه المواسي. ويحرص الفاروق كل الحرص على مبدأ احترام العهد، والوفاء بالوعد حرصًا شديدًا، فمن أمن أحدًا فلا يخفر ذمته أحد، بأي صيغة كان عهد الأمان.

ومبادئ الفاروق في هذا الشأن واضحة جلية.

إذا قال الرجل للرجل: لا تخف فقد أمنه.

وإذا قال: مترس، فقد أمنه.

وإذا قال: لا تذهل، فقد أمنه.

فبأي لغة كان عهد الأمان استحق صاحبة العهد والأمان.

إن رحمة عمر شملت الصغار والكبار، الرجال والنساء، الإنسان والحيوان.

ومن رحمة الفاروق عمر رضي الله عنه

أنه كان يشترط في ولاته الرحمة والشفقة على الرعية، وكم مرة أمر قادته في الجهاد ألا يغرروا بالمسلمين ولا ينزلوهم منزل هلكة، وكتب عمر لرجل من بني أسلم كتابًا يستعمله به، فدخل الرجل على عمر وبعض أولاد عمر على حجر أبيهم يقبلهم، فقال الرجل: تفعل هذا يا أمير المؤمنين؟ فوالله ما قبلت ولدًا لي قط، فقال عمر: أنت والله بالناس أقل رحمة، لا تعمل لي عملًا، ورَدَّه عمر فلم يستعمله.



الرقة تتسلل إلى قلب عمر
إن الرقة من المعاني الإنسانية الجميلة، التي توحي بطهارة القلب ونقائه، فمتى ما أحسست من إنسان برقة في قلبه فاعلم أنه على خير، والقلوب الرقيقة تتمتع بقدر كبير من السعادة التي لا تحسها القلوب القاسية، ولا تشعر بها الأفئدة المتحجرة.

قالت أم عبد الله بنت حنتمة: لما كنا نرتحل مهاجرين إلى الحبشة أقبل عمر حتى وقف عليّ، وكنا نلقي من البلاء والأذى قبل إسلامه فقال لي: إنه الانطلاق يا أم عبد الله؟ قالت: نعم، والله لنخرجن في أرض الله، آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل الله لنا فرجًا، فقال عمر: صحبكم الله، ورأيت منه رقة لم أرها قط.

وزادته مسئولية الخلافة رقةً:

دخل عينية بن حصن على عمر فقال:

هيه، يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل.

فغضب عمر حتى همّ أن يقع به.

فقال ابن أخي عينية الحرُّ بن القيس: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: [خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ] {الأعراف: 199}.

وإن هذا من الجاهلين فوالله ما جاوز عمر حين تلاها عليه. وكان وقافًا عند كتاب الله تعالى.

وكان الفاروق رضي الله عنه يبكي في صلاته من خشية الله تعالى حتى يسمع صوته الذي يرافق البكاء.

و كان في خد عمر بن الخطاب خطان أسودان من البكاء (المدهش جزء 1- صفحة 435)

ويروي علقمة بن أبي وقاص رحمه الله أن عمر كان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة بسورة يوسف، وأنا في مؤخرة الصفوف حتى إذا ذكر يوسف سمعت نشيجه.

يا له من أمير رقَّ قلبه.
عن ابن عمر قال قدمتْ رفقة من التجار فنزلوا المصلى، فقال عمر لعبد الرحمن: هل لك أن تحرسهم الليلة من السرقة. فباتا يحرسانهم ويصليان ما كتب الله لهما فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه فقال لأمه: اتقي الله وأحسني إلى صبيك. ثم عاد إلى مكانه، فسمع بكاءه، فعاد إلى أمه فقال لها مثل ذلك، ثم عاد إلى مكانه، فلما كان من آخر الليل سمع بكاءه، فأتى أمه فقال لها: ويحك إني لأراك أم سوء، مالي أرى ابنك لا يقر منذ الليلة.

قالت: يا عبد الله، قد أبرمتني منذ الليلة، إني أريغه عن الفطام فيأبى.

قال: ولم؟

قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للفطم.

قال: وكم له؟

قالت: كذا وكذا شهرا.

قال: ويحك لا تعجليه.

فصلى الفجر وما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء، فلما سلم، قال: يا بؤسا لعمر كم قتل من أولاد المسلمين.

ثم أمر مناديا فنادى أن لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام، وكتب بذلك إلى الآفاق أن يفرض لكل مولود في الإسلام. (صفة الصفوة جزء 1- صفحة 282)



عمر يعطي الناس قدرهم
ولنصغ بقلوبنا إلى هذه الرواية، فقد أورد المتقي الهندي في (كنز العمال جزء 1- صفحة 5)

عن شرحبيل بن مسلم الخولاني أن الأسود بن قيس بن ذي الخمار تنبأ باليمن فبعث إلى أبي مسلم الخولاني فأتاه فقال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع. قال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم. فأمر بنار عظيمة ثم ألقى أبا مسلم فيها، فلم تضره. فقيل للأسود بن قيس: إن لم تنف هذا عنك أفسد عليك من اتبعك. فأمره بالرحيل، فقدم المدينة، وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخلف أبو بكر، فأناخ راحلته بباب المسجد ودخل يصلي إلى سارية فبصر به عمر بن الخطاب، فقام إليه فقال: ممن الرجل؟ فقال: من أهل اليمن. فقال: ما فعل الذي حرقه الكذاب؟ (زاد في المنتخب: بالنار) قال: ذاك عبد الله بن ثوب. قال: فنشدتك بالله، أنت هو؟ قال: اللهم نعم. فاعتنقه عمر، وبكى ثم ذهب به وأجلسه فيما بينه وبين أبي بكر الصديق، فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من صُنع به كما صُنع بإبراهيم خليل الرحمن فلم تضره النار.

ومن تواضع عمر ورقته ومن عجيب أمره، أنه مع هيبة الناس له، كان إذا غضب فقرأ أحد عليه آيات الرحمن، أو ذكّره بالله ذهب عنه غضبه؛ يقول ابن عباس رضي الله عنهما: قدم عيينة بن حصن على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يُدْنِيهم عمر رضي الله عنه، وكان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاوريه ـ كهولًا كانوا أو شبابًا ـ فقال عيينة لابن أخيه الحر بن قيس: هل لك وجه عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه؟ قال: سأستأذن لك عليه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: فاستأذن الحر لعيينة، فلما دخل عليه قال: يا ابن الخطاب، والله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بالعدل، قال فغضب عمر رضي الله عنه حتى هم أن يقع عليه، فقال الحر: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه: [خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ] {الأعراف: 199}. قال: فوالله ما جاوزها عمر رضي الله عنه حين تلاها، وكان وقافًا عند كتاب الله.

يعرف نفسه جيدًا
يروي أنس بن مالك رضي الله عنه فيقول:

سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومًا، وخرجت معه، حتى دخل حائطًا، فسمعته يقول، وبيني وبينه حائط، وهو في جوف الحائط:

عمر بن الخطاب.. أمير المؤمنين.. بخ بخ، والله لتتقين الله يا ابن الخطاب، أو ليعذبنك ".

وقدم على عمر بن الخطاب وفد من العراق فيهم الأحنف بن قيس في يوم صائف شديد الحر، وعمر معتجر (معمم بعباءة), يهنأ بعيرًا من إبل الصدقة (أى يطليه بالقطران) فقال: يا أحنف ضع ثيابك، وهلم، فأعن أمير المؤمنين على هذا البعير فإنه إبل الصدقة، فيه حق اليتيم، والأرملة، والمسكين، فقال رجل من القوم: يغفر الله لك يا أمير المؤمنين، فهلًا تأمر عبدا من عبيد الصدقة فيكفيك؟ فقال عمر: وأي عبد هو أعبد منى، ومن الأحنف؟ إنه من ولى أمر المسلمين يجب عليه لهم ما يجب على العبد لسيده في النصيحة، وأداء الأمانة.

وعن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء فقلت: يا أمير المؤمنين، لا ينبغى لك هذا، فقال: لما أتاني الوفود سامعين مطيعين، دخلت نفسي نخوة؛ فأردت أن أكسرها.

وعن جبير بن نفير: أن نفرا قالوا لعمر بن الخطاب: ما رأينا رجلا أقضى بالقسط، ولا أقول للحق ولا أشد على المنافقين منك يا أمير المؤمنين، فأنت خير الناس بعد رسول الله. فقال عوف بن مالك: كذبتم والله، لقد رأينا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: من هو؟ فقال: أبو بكر. فقال عمر: صدق عوف وكذبتم، والله لقد كان أبو بكر أطيب من ريح المسك، وأنا أضل من بعير أهلي. يعنى قبل أن يسلم؛ لأن أبا بكر أسلم قبله بست سنين.

وهذا يدل على تواضع عمر وتقديره للفضلاء ولا يقتصر على الأحياء منهم، ولكنه يعم منهم الموتي كذلك، فلا يرضى أن ينكر فضلهم أو يغفل ذكرهم، ويظل يذكرهم بالخير في كل موقف، ويحمل الناس على احترام هذا المعنى النبيل، وعدم نسيان ما قدموه من جلائل الأعمال، فيبقى العمل النافع متواصل الحلقات يحمله رجال من رجال إلى رجال، فلا ينسى العمل الطيب بغياب صاحبه أو وفاته وفي هذا وفاء وفيه إيمان.

ونجد من شمائل الفاروق رضي الله عنه خوفه من الله عز وجل، ونرى ذلك الخوف واضحًا جليًا في أفعاله وأقواله، كان يبكي رضي الله عنه ويكثر البكاء، ويذهب إلى حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يقول له: أستحلفك بالله، أأنا من المنافقين؟ ويقول ابن عباس رضي الله عنه: دخلت على عمر حين طعن، فقلت أبشر يا أمير المؤمنين، والله لقد مصر الله بك الأمصار، وأوسع بك الرزق، واظهر بك الحق، ودفع بك النفاق. فقال عمر: أفي الإمارة تثنى عليّ يا ابن عباس؟ ! قال: نعم يا أمير المؤمنين وفي غيرها.

قال: فوالذي نفسي بيده، لوددت أني أنجو منها كفافًا، لا أوجر ولا أوزر، والله لوددت أني خرجت منها كما دخلت فيها، لا أجر ولا وزر،

فوالله لو كان لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع.

وقال له ابن عباس مثنيًا عليه: أبشر بالجنة، صاحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلت صحبته، ووليت أمر المؤمنين فقويت، وأديت الامانة.

فقال عمر: أما تبشيرك إياي بالجنة، فو الله الذي لا إله إلا هو لو أن لي الدنيا وما فيها لافتديت به من هول ما أمامي قبل أن أعلم الخبر. وأما قولك في إمرة المؤمنين فوالله لوددت أن ذلك كفافًا لا لي ولا عليّ. وأما ما ذكرت من صحبة نبي الله صلى الله عليه وسلم فذلك.

وقد كان الفاروق رضي الله عنه واحدًا من المتواضعين فحاز كمال الإيمان ونال رضا رب العالمين.

فهذا موقف من مواقف تواضع الفاروق رضي الله عنه يرويه لنا طارق بن شهاب (رحمه الله) فيقول:

لما قدم عمر الشام عرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره ونزع خفيه، ثم أخذ بخطام راحلته وخاض المخاضة، فقال أبو عبيدة بن الجراح:

لقد فعلت يا أمير المؤمنين فعلًا عظيمًا عند أهل الأرض، نزعت خفيك وقدمت راحلتك، وخضت المخاضة.

قال: فصك عمر بيده في صدر أبي عبيدة وقال:

أوه.. لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة!

أنتم كنتم أقل الناس، وأذل الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العزة بغيره يذلكم الله تعالى.

ما أروعها من كلمات.

وما أعظمه من موقف.

فالفاروق لا يرى العز والشرف إلا في نعمة الإسلام، ومن اعتز بأي عرض من أعراض الدنيا من مال وجاه، أو غيرهما أذله الله.

والمتأمل في الموقف يشاهد تواضع الفاروق رضي الله عنه في عبوره المخاضة، وعدم اكتراثه لنظرات الناس إليه.

فالمتواضع لا يبحث عن السمعة والرياء، ولا يأنف من السير على أقدامه، أو خوض مخاضة، ولو كان أمير المؤمنين.

حتى عندما لقب بأمير المؤمنين تعجب الفاروق المتواضع من هذا اللقب، وخشي أن يعني التزكية، وطلب من قائله إبراء نفسه مما قال؛ يروي الزهري رحمه الله يقول: إن عمر بن عبد العزيز سأل أبا بكر بن سليمان بن أبي خيثمة: لأي شيء كان يكتب: من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. في عهد أبي بكر رضي الله عنه، ثم كان عمر يكتب أولا: من خليفة أبي بكر، فمن أول من كتب: من أمير المؤمنين؟

فقال: حدثتني الشفاء ـ وكانت من المهاجرات الأول ـ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عامل العراق بأن يبعث إليه رجلين جلدين، يسألهما عن العراق وأهله، فبعث عامل العراق بلبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم، فلما قدما المدينة أناخا راحلتهما بفناء المسجد ثم دخلا المسجد، فإذا هما بعمرو بن العاص، فقالا: استأذن لنا يا عمرو على أمير المؤمنين.

فقال عمرو: أنتما أصبتما اسمه، هو الأمير، ونحن المؤمنون، ووثب عمرو فدخل على عمر أمير المؤمنين، فقال:

السلام عليك يا أمير المؤمنين.

فقال عمر: ما بدا لك في هذا الاسم يا ابن العاص؟ ! ربي يعلم، لتخرجن مما قلت؟ قال: إن لبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم قد أناخا راحلتهما بفناء المسجد، ثم دخلا عليّ فقالا لي: استأذن لنا يا عمرو على أمير المؤمنين. فهما والله قد أصابا اسمك، ونحن المؤمنون، وأنت أميرنا.

قال فمضى به الكتاب من يومئذ، وكانت الشفاء جدة أبي بكر بن سليمان.

ويدعو غيره إلى التواضع
وكان الفاروق رضي الله عنه مع تواضعه الجم يدعو غيره إلى التواضع، وهذا هو التواضع الإيجابي.

يقول سليم بن حنظلة البكري: كنا جلوسًا حول أُبَي بن كعب نسائله، فقام، فاتبعناه.

فرفع إلى عمر بن الخطاب، فعلاه بالدرة فقال أُبَي: مهلًا يا أمير المؤمنين، ما تصنع؟ فقال: إنها فتنة للمتبوع، ومذلة للتابع.

وهذه دعوة من الفاروق إلى التواضع، وتحذير من الوقوع في الكبر، فمن صفات المتواضعين: أنهم لا يحبون أن يمشي وراءهم أحد، ولذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكرهون أن يسير الناس وراءهم.

وما أروع الفاروق، وهو يعاتب نفسه على شيء يسير حدثته به، وفي ذلك أبلغ الدروس والعبر.

يروي محمد بن عمر المخزومي عن أبيه أن قال: نادى عمر بن الخطاب بالصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس وكبروا صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم.

ثم قال: أيها الناس. لقد رأيتني أرعى على خالات لي من بني مخزوم، فيقبضن لي قبضة من التمر، أو الزبيب، فأظل يومي، وأي يوم؟ !

ثم نزل عن المنبر، فقال عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين، ما زدت على أن قمّأت نفسك ـ يعني عبت ـ فقال: ويحك يا ابن عوف !!

إني خلوت فحدثتني نفسي، قالت: أنت أمير المؤمنين، فمن ذا أفضل منك؟ فأردت أن أعرفها نفسها.

ومن المواقف الرائعة والتي يتجلى من خلالها تواضع الفاروق الجم، ما رواه الأحنف بن قيس رحمه الله تعالى فقال: كنت مع عمر بن الخطاب فلقيه رجل فقال: يا أمير المؤمنين انطلق معي فأعدني على فلان فإنه قد ظلمني. قال: فرفع الدرة فخفق بها رأسه فقال: تَدَعون أمير المؤمنين وهو معرض لكم حتى إذا شغل في أمر من أمور المسلمين أتيتموه: أعدني أعدني.

قال: فانصرف الرجل وهو يتذمر، قال: عَلَيَّ الرجل. فألقى إليه المخفقة وقال: امتثل. فقال: لا والله ولكن أدعها لله ولك. قال: ليس هكذا إما أن تدعها لله إرادة ما عنده أو تدعها لي فأعلم ذلك. قال: أدعها لله. قال: فانصرف. ثم جاء يمشي حتى دخل منزله ونحن معه فصلى ركعتين وجلس فقال: يا ابن الخطاب كنت وضيعا فرفعك الله وكنت ضالا فهداك الله وكنت ذليلا فأعزك الله ثم حملك على رقاب الناس فجاءك رجل يستعديك فضربته، ما تقول لربك غدا إذا أتيته، قال: فجعل يعاتب نفسه في ذلك معاتبة حتى ظننا أنه خير أهل الأرض.

والتواضع لا يزيد العبد إلا عزًا ورفعة، كما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ ".

من تواضعه نزوله عن رأيه في قتال المرتدين.

قال أبو هريرة رضي الله عنه: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر: يا أبا بكر كيف تقاتل الناس، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. عَصَمَ مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ بِهِ عَلَى اللَّهِ ". قال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا، كانوا يؤدونه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها.

قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله عز وجل شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق.

وعندما اقترح بعض الصحابة على أبي بكر بأن يبقي جيش أسامة، حتى تهدأ الأمور. وقال عمر رضي الله عنه: إن معه وجوه المسلمين وجلتهم، ولا آمن على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن يتخطفهم المشركون، ولكن أبا بكر خالف ذلك، وأصر على أن تستمر الحملة العسكرية في تحركها نحو الشام مهما كانت الظروف والأحوال والنتائج.

لقد طلب الأنصار رجلًا أقدم سنًا من أسامة بن زيد رضي الله عنهما، فوثب أبو بكر رضي الله عنه وكان جالسًا، وأخذ بلحية عمر رضي الله عنه وقال: ثكلتك أمك ياابن الخطاب، استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأمرني أن أعزله. فخرج عمر إلى الناس فقال: امضوا ثكلتكم أمهاتكم، ما لقيت في سببكم من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن الحسن البصري قال: خرج عمر رضي الله عنه في يوم حار واضعًا رداءه على رأسه، فمر به غلام على حمار، فقال: يا غلام، احملني معك، فوثب الغلام عن الحمار، وقال: اركب يا أمير المؤمنين، قال: لا، اركب، وأركب أنا خلفك تريد أن تحملني على المكان الواطئ، وتركب أنت على الموضع الخشن. فركب خلف الغلام، فدخل المدينة وهو خلفه، والناس ينظرون إليه.

ويقبل النصح من الجميع
خرج عمر بن الخطاب من المسجد والجارود العبدي معه، فبينما هما خارجان إذ بامرأة على ظهر الطريق، فسلم عليها عمر فردت عليه السلام، ثم قالت: رويدك يا عمر حتى أكلمك كلمات قليلة. قال لها: قولي. قالت: يا عمر عهدي بك وأنت تسمي عميرًا في سوق عكاظ تصارع الفتيان، فلم تذهب الأيام حتى تسمى عمرًا، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الموت خشي الفوت، فقال الجارود: هيه، قد اجترأت على أمير المؤمنين، فقال عمر: دعها، أما تعرف هذه يا جارود؟ هذه خولة بنت حكيم التي سمع الله قولها من فوق سبع سموات، فعمر أحرى أن يسمع كلامها.

أراد بذلك قوله تعالى: [قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ] {المجادلة: 1}.

يسمع كلام حذيفة.

قال حذيفة: دخلت على عمر رضي الله عنه فرأيته مهمومًا حزينًا، فقلت له: ما يهمك يا أمير المؤمنين؟

فقال: إني أخاف أن أقع في منكر فلا ينهاني أحد منكم تعظيمًا لي.

فقال حذيفة: والله لو رأيناك خرجت عن الحق لنهيناك.

ففرح عمر وقال: الحمد لله الذي جعل لي أصحابًا يقومونني إذا اعوججت.

عمر يعترف بصواب رأي امرأة.

قال عبد الله بن مصعب خطب عمر رضوان الله عليه فقال: لا تزيدوا مهور النساء على أربعين أوقية، وإن كانت بنت ذي فضة، يعني يزيد ين الحصين الحارثي، فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال.

فقامت امرأة من صف النساء طويلة في أنفها فطس فقالت: ما ذاك لك؟ قال: ولم؟ قالت: لأن الله يقول: [وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا] {النساء: 20}.

فقال عمر رضي الله عنه: امرأة أصابت، ورجل أخطأ.

وهذا مما يدل على جم تواضعه رضي الله عنه.



أولا: القوة البدنية:
لا شك أن البيئة التي تربى فيها عمر بن الخطاب بما فيها من خشونة في العيش، وضيق في ذات اليد لها أثر كبير في تكوينه الجسدي، فليس من ينشأ في النعيم والظل والحرير كمن ينشأ تحت لظى الشمس الحارقة في جو مكة، وفي بيت الخطاب بن نفيل.

ولد عمر رضي الله عنه بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة، وفي رحاب مكة وجَوّها القائظ، وريحها اللافحة، وصحرائها القاحلة، وأبوه الخطاب بن نفيل العدوي، كان شديد البأس، قوي الشكيمة، مما أورثه بعضا من صفات القوة.

ووصف الفاروقَ من رآه رضي الله عنه بأنه رجل آدم، أعسر، أيسر يعمل بكلتا يديه، أصلع، أضخم، مفرط الطول، يفوق الناس طولًا، إذا كان فيهم بدا كأنه راكب على دابة والناس يمشون، جسيم، كأنه من رجال سدوس، كبير الشارب، إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع، يصارع الفتيان في سوق عكاظ فيصرعهم، وبلغ من فروسيته وشدة بنيانه أنه كان يأخذ بأذن الفرس بيد وبأذنه بيده الأخرى، ثم يثب على الفرس. فهو قوي حتى في مظهره الخارجي.



ثانيا: القوة النفسية:
الصراحة دليل القوة النفسية

بقراءة سيرة الفاروق رضي الله عنه يظهر لنا حبه الشديد، وعاطفته الفياضة للرسول صلى الله عليه وسلم، فحين يسمع رسول الله صلى الله عليهوسلم يقول
: " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكَونُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ حَتَّى نَفْسِهِ الَّتِي بَيْنَ جَ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زهرة الياسمين

عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) Stars17
زهرة الياسمين


المزاج : عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 1298556711277
الدوله : عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 1298578461382
الاوسمه : عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 1298579298373
انثى عدد المساهمات : 112
تاريخ التسجيل : 19/08/2010

عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) Empty
مُساهمةموضوع: رد: عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة)   عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) I_icon12الجمعة فبراير 18, 2011 5:13 am


موضوعك جميل جدا مشكور عليه

ارجوا ان تتقبل تحياتى


عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) Get-2-2011-zggbnq37
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
انتيرس

انتيرس


المزاج : عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 1298556235889
الدوله : عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 1298578461382
الاوسمه : عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 1298579857445
ذكر عدد المساهمات : 17
تاريخ التسجيل : 16/02/2011

عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) Empty
مُساهمةموضوع: رد: عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة)   عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) I_icon12الجمعة فبراير 18, 2011 5:49 am

أأشكرك على اهتمامك واتمنى الاستفادة للجميع عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 217131
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
snow_white

snow_white


المزاج : عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 1298556232931
الدوله : عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 1298578082676
انثى عدد المساهمات : 9
تاريخ التسجيل : 13/09/2010

عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) Empty
مُساهمةموضوع: رد: عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة)   عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) I_icon12الجمعة فبراير 18, 2011 6:17 am

عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) Get-2-2011-i1vtjlpo
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
kingmoon

عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) Stars6
kingmoon


المزاج : عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 1298556234607
الدوله : عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 1298578461382
الاوسمه : عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 1298581764731
ذكر عدد المساهمات : 234
تاريخ التسجيل : 07/06/2010

عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) Empty
مُساهمةموضوع: رد: عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة)   عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) I_icon12الجمعة فبراير 18, 2011 6:51 am

عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) Get-2-2011-purs5wsu


عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 543800
عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 543800 عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 543800
عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 543800 عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 543800 عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 543800
عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 543800 عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 543800
عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة) 543800
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kingmoon.yoo7.com
 
عمر بن الخطاب (الفاروق)وثانى الخلفاء الراشدين(عدل-رحمة-رقة-تواضع-قوة)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سالم بن عبد الله بن الخطاب - رحمه الله

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
king moon :: القسم الدينى :: الشخصيات التاريخية الاسلامية-
انتقل الى: